استهداف الصحفيين في الحروب: حرب غزة 2023 الأكثر دموية للصحافة

مقدمة
من منطلق الواجب الإنساني والأخلاقي، وحرصًا على توثيق الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين الفلسطينيين، قامت شركة بيست ميديا – المتخصصة في الإعلام الرقمي والإنتاج الصحفي – بإعداد هذه الورقة البحثية لتُسلّط الضوء على حجم الانتهاكات الجسيمة التي طالت الصحفيين خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
نؤمن بأن هذه الدراسة تمثل أرضية معرفية خصبة يمكن أن يعتمد عليها الباحثون، والحقوقيون، والمؤسسات الإعلامية المهتمة في التوسع بالتحقيق والتحليل، نحو مزيد من التوثيق والمساءلة ورفع صوت الحقيقة.
لم تكن الصحافة يومًا مهنة آمنة، لكنها باتت في زمننا المعاصر هدفًا مباشرًا، خاصة في الحروب التي تسعى فيها الأطراف المتورطة إلى إخفاء جرائمها. وتُعد الحرب الإسرائيلية على غزة (منذ 7 أكتوبر 2023) محطة فاصلة في تاريخ استهداف الصحفيين، حيث سجلت أعلى حصيلة قتلى للصحفيين في مدة زمنية قصيرة، متجاوزةً كل الحروب الكبرى التي شهدها العالم.
لمحة تاريخية
طوال القرن الماضي، خسر المئات من الصحفيين أرواحهم في تغطية الحروب الكبرى مثل الحربين العالميتين، وحرب فيتنام، وكوريا، والعراق. لكن عدد الضحايا ظل محدودًا نسبيًا مقارنة بتسارع العنف في العصر الرقمي.
- الحرب العالمية الأولى: 2 صحفيين
- الحرب العالمية الثانية: 68 صحفيًا
- حرب فيتنام: 66 صحفيًا
- حرب كوريا: 17 صحفيًا
- حرب أفغانستان (2001–2021): 127 صحفيًا
- حرب أوكرانيا (منذ 2022): 17 صحفيًا حتى منتصف 2023
حرب غزة 2023: الأرقام تتجاوز المألوف
وفقًا لإحصائية رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023 وحتى 8 أبريل 2025، 211 صحفيًا. وهو رقم يعكس حجم الفقد غير المسبوق في صفوف الجسم الصحفي خلال فترة زمنية قصيرة.
منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023 وحتى أبريل 2025، قُتل أكثر من 175 صحفيًا، بحسب لجنة حماية الصحفيين (CPJ) ومراسلون بلا حدود (RSF). وهذا الرقم يفوق بكثير عدد الضحايا في أي حرب أخرى، بل يتجاوز مجمل من قُتلوا في عدة حروب مجتمعة.
الضحايا في غزة لم يكونوا فقط مراسلين، بل مصورين ومساعدي إنتاج ومديري مكاتب إعلامية، معظمهم من الصحفيين الفلسطينيين المحليين. وتمت تصفيتهم خلال القصف الجوي أو استهداف أماكن سكنهم أو أثناء تغطيتهم للأحداث الميدانية.
لماذا هذا الاستهداف المكثف في غزة؟
- كثافة القصف وعدم وجود ملاذ آمن: جعلت الحملة الإسرائيلية المكثفة على غزة الصحفيين عرضة للخطر الدائم، دون أي ضمانات للحماية.
- غياب التغطية الدولية: الصحفيون الأجانب مُنعوا من دخول غزة، مما جعل الصحفيين المحليين وحدهم في الميدان.
- تضييق على الإعلام المحلي والدولي: إسرائيل استهدفت مقار إعلامية، وأصدرت قوانين تحظر قنوات إعلامية معينة.
- غياب المساءلة: لم تُفتح أي تحقيقات مستقلة ذات نتائج فعلية في استهداف الصحفيين، ما شجع على تكرار الانتهاكات.
أبعاد أخلاقية وقانونية
- الصحفيون مدنيون بحسب القانون الدولي، واستهدافهم يُعد جريمة حرب.
- الصمت الدولي أو الاكتفاء بالتنديد دون تحرك فعلي يُعد تواطؤًا ضمنيًا.
دعوة للتحرك
- ضرورة فتح تحقيقات مستقلة.
- إنشاء آلية حماية دولية للصحفيين في مناطق النزاع.
- الضغط على الحكومات لتحمل مسؤولياتها القانونية.
خاتمة
استهداف الصحفيين في غزة لا يمس حرية الإعلام فحسب، بل يهدد جوهر الحقيقة وحق الشعوب في المعرفة. في بيست ميديا، نعتبر هذا الملف أولوية إنسانية وإعلامية، وسنواصل توثيقه، ورفع أصوات الزملاء الذين خُنقت كلماتهم بالصواريخ.
المراجع
- المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
- لجنة حماية الصحفيين (CPJ).
- مراسلون بلا حدود (RSF).
- هيومن رايتس ووتش (HRW).